صباح الخير أيها الفن!!!
صفحة 1 من اصل 1
صباح الخير أيها الفن!!!
الفن لايجري وراء الدهماء.. ولكنه يركب عربة النبل والأحاسيس الرفيعة والتذوق العظيم للجمال والحب والابداع والخلق والعبقرية.. كما قال ليوتولستوي في رائعته: أنا كارنينا..
ولكنه عندما يترنح الفن ويفقد صوابه ويتوه في دروب الخلاعة والمجون فإنه يضرب علي الرق ويهز الوسط ويخلع برقع الحياء ويكشف العورات ويقدم فنون الصالات ويستجيب لصرخات السكاري في الكباريهات.. وكأن مصر كلها بجلالة قدرها وبحضارة خمسين قرنا من الزمان.. قد اختصر تاريخها ــ الذي أذهل العالم كله.. ومازال يذهله ويحيره.. في الفن والأدب والعلم والشعر والغزل والأغاني والرسوم والنقش والنحت.. إلي مجرد حجرة صاخبة كريهة الرائحة مليئة بالمدلسين والمتسلقين والهليبة في حارة العوالم!
كان هذا جوابي علي سؤال لطلبة وطالبات جامعة القاهرة ــ جامعتي ــ في منتدي فكري وثقافي بمناسبة السنة الجديدة.. سؤال يقول: ما الذي جري لنا؟
أغاني هابطة بزيئة عارية قليلة الأدب.. وسينما مقاولات تقدم لنا أفلاما ما أنزل الله بها من سلطان.. ومجلات هابطة علي الأرصفة تباع عيني عينك منقولة بالمسطرة والصورة والقباحة من مجلات البلاي بوي والبورنو الأمريكية والأوروبية.. ومطربون ومطربات نص كم يكسبون الملايين من أغاني هز الوسط.. وممثلات وممثلين كحيته أصبحوا بين يوم وليلة نجوم شباك..
ما الذي جري لنا؟
وكيف انحدر الذوق العام للناس في مصر إلي هذه الدرجة؟
قلت لهم: لقد تغلب ذوق الدهماء وهم العامة والبسطاء والجاهلون من أفراد الشعب.. وأصبح هو الموجه والمسيطر علي سوق الفن في مصر!
لم نعد نسمع أغنية محترمة... جميلة..
لم نعد نري فيلما واحدا يذكرنا بأفلام زمان التي كنا ننافس بها الأفلام الأمريكية والفرنسية..
تخلت الدولة عن دورها في توجيه زورق الفن نحو وجهته الحقيقية التي تعبر عن حضارة تراث هذا البلد العظيم.. وتركت المهمة لرجال أعمال كل همهم الربح ثم الربح ولا شئ غير الربح.. وأفسحت الطريق نفسه لأموال الخليج وريالات النفط لتلعب في ملعبنا كما تشاء وكما تريد..!
الحب... بالأغاني!
يسألوني: وماذا كان جيلكم يفعل ويحب ويغني؟
قلت: علي أيامي.. وليست هذه الأيام ببعيدة.. كنا نحب ونعشق حتي قبل أن نحب ونعشق.. من الأغاني والطرب والموسيقي.. وصوت المطربات الشامخات والمطربين العظام وهو يدغدغ حواسنا ويدفعنا إلي أن نحب حتي قبل أن نقع في الحب.. أو نتخيل الحب.. كم هو عظيم.. وكم هو حالم.. وكم هو رائع.. وكأننا نحلق فوق السحاب؟
أما عندما نقع في الحب.. فإن أغاني الزمن الجميل كانت تمثل بالنسبة إلينا غذاء للروح ويقظة للقلب وتوهجا للوجدان ودغدغة للحواس.. حالة من الشجن تحتويك وأنت تسمع عبدالوهاب وهو يغني: جفنه علم الغزل.. ومن العشق ما قتل..
أو عندما تسمع أم كلثوم وهي تغني: بقي يقوللي وأنا أقوله... وخلصنا الكلام كله.. أو عندما تقول: كل ما اشوفك يروح مني الكلام وأنساه..
أو عندما تغني: زي القمر ساعة ظهوره يحسبوا المواعيد.. زي القمر يطلع نوره من بعيد لبعيد..
أو: أنت عمري اللي ابتدا بنورك صباحه.. خدني لحنانك خدني.. عن الوجود وابعدني...
وآه عندما تكون قد وقعت في الحب لشوشتك.. وتسمع صوت كوكب الشرق وهي تغني: ويطولوك ياليل من اللي بيهم.. ويقصروك ياليل وانت اللي عالم بيهم..
أو تسمع عبدالوهاب وهو يغني: قتل الورد نفسه حسدا منك والقي دماه في وجنتيك.. والفراشة ملت الزهرة لما حدثتها الأنسام عن شفتيك!
أو عندما تسمع رياض السنباطي أعظم الملحنين في زماننا وهو يشدو علي عوده: وليا عيون إذا شافت تحب تشوف كمان مرة.. وذنبي في الهوي قلبي.. يحب يعيش ولو بكره!
ولقد كنت أهتز طربا وشجنا وأنا مازلت تلميذا في الثانوي وأنا أشاغل بنت الجيران وتشاغلني.. عندما اسمع من الراديو عبدالحليم حافظ وهو يغني في بداياته الجميلة: بتقوللي بكرة قلبك هيعطف وفي كل مرة توعد وتخلف.. وأصدقك برضه ولا أتكلم من خوفي عليك لا تتألم..
أو عندما تغني قيثارة الغناء في بلدنا المسماة بليلي مراد: الحب جميل للي عايش فيه.. له ألف دليل اسألوني عليه..
كلمات بسيطة لكنها تدخل القلب من أقصر طريق.. وتحلق به بعيدا علي جناحي الحب..!
ولأن الراديو كان يترك لك مساحة طيبة للخيال والسرحان دون أن يشغلك بمناظر التليفزيون والفيديو كليب إياه.. فإن الحب كان يطير بنا إلي أجواء ساحرة كأننا في عالم ألف ليلة وليلة.. وأم كلثوم تغني وكأنها تغني لك وحدك: دا الأنس كان إنت والانسجام إنت.. والزهر كان إنت والابتسام إنت.. ما تقولي فين إنت.. آه.. آه.. آه..!
الأغنية والحب.. توأمان!
كانت الأغنية علي قدر الحب..
وكان الحب علي مقاس الأغنية.. كانا متلازمين كأنهما توأمان لايفترقان أبدا.. ولأن الأغنية كانت عظيمة فإن الحب كان أيضا عظيما.. فالغناء علي أيامي كان بمثابة غذاء للحب.. ورفيق دربه وطريقه..
وأذكر علي أيامي برضه إنني استمعت من الراديو إلي حفلة ربما كانت آخر حفلة للموسيقار عبدالوهاب علي المسرح بعدها اعتزل الغناء أمام الجمهور.. وكان يحضرها الزعيم جمال عبدالناصر.. وقد غني عبدالوهاب رائعته: كل ده كان ليه.. لما شفت عنيه.. حن قلبي إليه.. وانشغلت عليه.. قاللي كام كلمة.. يشبهوا النسمة في ليالي الصيف
وأذكر أن عبدالوهاب قد انجلي وأبدع وقدم أحلي صوت في حياته.. حتي أن عبدالناصر ظل يردد واقفا ومصفقا: الله.. الله.. الله..
ولم يعرف المستمعون أن عبدالوهاب هو الذي قالها اعجابا وطربا!
واذكر انني في هذا الزمن الجميل.. زمن الحب بالأغاني أو الأغاني بالحب.. الحب الحقيقي الذي ينبع من مشاعر حقيقية تخاف علي حبها من عيون حاسدة.. ذهبت إلي حفل لسيدة الغناء العربي أم كثلوم.. في دار سينما قصر النيل..
وكانت أول مرة أشاهد فيها أم كلثوم تغني.. وقد ذهبت مع صديق عمري فوزي حجازي الشقيق الأكبر للزميل العزيز ابراهيم حجازي رئيس تحرير الأهرام الرياضي.. ودفع كل منا خمسة عشر جنيها بحالها في ثمن التذكرة.. وكان مبلغا لايستهان به في الستينيات, فهو يساوي مرتب شهر لخريج الجامعة في الحكومة أيامها..!
وغنت أم كلثوم هو صحيح الهوي غلاب.. ورباعيات الخيام.. وعشت أجمل ليلة في عمري مع العشق والحب والهيام.. وكان الحاضرون والحاضرات في أبهي زينة.. والرجال بالبدل السوداء وربطات العنق والنساء بفساتين السهرة والفراء والحلي والبارفانات.. كاننا في الأوبرا.. هكذا كانت مصر كلها تعيش أجمل ليلة للحب مع أم كلثوم أول كل شهر..
واذكر ليلتها أن معلما أصيلا.. ابن بلد يلبس اللاسة والكوفية والطاقية والبالطو الشامواه والعصا الأبانوس.. والحذاء اللميع.. كان يجلس في المقعد الذي أمامي.. وعندما بدأت فرقة أم كلثوم الموسيقية تعزف قام من مكانه حتي وصل إلي المنصة.. ثم عاد.. سألته في الاستراحة: انت رحت يامعلم عند المسرح ليه؟
قال: أصل أنا مش مصدق نفسي.. رحت لحد الست عشان أتأكد أن دي الست أم كلثوم بحق وحقيق وأنا المعلم شلاطة علي سن ورمح حاضر حفلتها!
ولكنه عندما يترنح الفن ويفقد صوابه ويتوه في دروب الخلاعة والمجون فإنه يضرب علي الرق ويهز الوسط ويخلع برقع الحياء ويكشف العورات ويقدم فنون الصالات ويستجيب لصرخات السكاري في الكباريهات.. وكأن مصر كلها بجلالة قدرها وبحضارة خمسين قرنا من الزمان.. قد اختصر تاريخها ــ الذي أذهل العالم كله.. ومازال يذهله ويحيره.. في الفن والأدب والعلم والشعر والغزل والأغاني والرسوم والنقش والنحت.. إلي مجرد حجرة صاخبة كريهة الرائحة مليئة بالمدلسين والمتسلقين والهليبة في حارة العوالم!
كان هذا جوابي علي سؤال لطلبة وطالبات جامعة القاهرة ــ جامعتي ــ في منتدي فكري وثقافي بمناسبة السنة الجديدة.. سؤال يقول: ما الذي جري لنا؟
أغاني هابطة بزيئة عارية قليلة الأدب.. وسينما مقاولات تقدم لنا أفلاما ما أنزل الله بها من سلطان.. ومجلات هابطة علي الأرصفة تباع عيني عينك منقولة بالمسطرة والصورة والقباحة من مجلات البلاي بوي والبورنو الأمريكية والأوروبية.. ومطربون ومطربات نص كم يكسبون الملايين من أغاني هز الوسط.. وممثلات وممثلين كحيته أصبحوا بين يوم وليلة نجوم شباك..
ما الذي جري لنا؟
وكيف انحدر الذوق العام للناس في مصر إلي هذه الدرجة؟
قلت لهم: لقد تغلب ذوق الدهماء وهم العامة والبسطاء والجاهلون من أفراد الشعب.. وأصبح هو الموجه والمسيطر علي سوق الفن في مصر!
لم نعد نسمع أغنية محترمة... جميلة..
لم نعد نري فيلما واحدا يذكرنا بأفلام زمان التي كنا ننافس بها الأفلام الأمريكية والفرنسية..
تخلت الدولة عن دورها في توجيه زورق الفن نحو وجهته الحقيقية التي تعبر عن حضارة تراث هذا البلد العظيم.. وتركت المهمة لرجال أعمال كل همهم الربح ثم الربح ولا شئ غير الربح.. وأفسحت الطريق نفسه لأموال الخليج وريالات النفط لتلعب في ملعبنا كما تشاء وكما تريد..!
الحب... بالأغاني!
يسألوني: وماذا كان جيلكم يفعل ويحب ويغني؟
قلت: علي أيامي.. وليست هذه الأيام ببعيدة.. كنا نحب ونعشق حتي قبل أن نحب ونعشق.. من الأغاني والطرب والموسيقي.. وصوت المطربات الشامخات والمطربين العظام وهو يدغدغ حواسنا ويدفعنا إلي أن نحب حتي قبل أن نقع في الحب.. أو نتخيل الحب.. كم هو عظيم.. وكم هو حالم.. وكم هو رائع.. وكأننا نحلق فوق السحاب؟
أما عندما نقع في الحب.. فإن أغاني الزمن الجميل كانت تمثل بالنسبة إلينا غذاء للروح ويقظة للقلب وتوهجا للوجدان ودغدغة للحواس.. حالة من الشجن تحتويك وأنت تسمع عبدالوهاب وهو يغني: جفنه علم الغزل.. ومن العشق ما قتل..
أو عندما تسمع أم كلثوم وهي تغني: بقي يقوللي وأنا أقوله... وخلصنا الكلام كله.. أو عندما تقول: كل ما اشوفك يروح مني الكلام وأنساه..
أو عندما تغني: زي القمر ساعة ظهوره يحسبوا المواعيد.. زي القمر يطلع نوره من بعيد لبعيد..
أو: أنت عمري اللي ابتدا بنورك صباحه.. خدني لحنانك خدني.. عن الوجود وابعدني...
وآه عندما تكون قد وقعت في الحب لشوشتك.. وتسمع صوت كوكب الشرق وهي تغني: ويطولوك ياليل من اللي بيهم.. ويقصروك ياليل وانت اللي عالم بيهم..
أو تسمع عبدالوهاب وهو يغني: قتل الورد نفسه حسدا منك والقي دماه في وجنتيك.. والفراشة ملت الزهرة لما حدثتها الأنسام عن شفتيك!
أو عندما تسمع رياض السنباطي أعظم الملحنين في زماننا وهو يشدو علي عوده: وليا عيون إذا شافت تحب تشوف كمان مرة.. وذنبي في الهوي قلبي.. يحب يعيش ولو بكره!
ولقد كنت أهتز طربا وشجنا وأنا مازلت تلميذا في الثانوي وأنا أشاغل بنت الجيران وتشاغلني.. عندما اسمع من الراديو عبدالحليم حافظ وهو يغني في بداياته الجميلة: بتقوللي بكرة قلبك هيعطف وفي كل مرة توعد وتخلف.. وأصدقك برضه ولا أتكلم من خوفي عليك لا تتألم..
أو عندما تغني قيثارة الغناء في بلدنا المسماة بليلي مراد: الحب جميل للي عايش فيه.. له ألف دليل اسألوني عليه..
كلمات بسيطة لكنها تدخل القلب من أقصر طريق.. وتحلق به بعيدا علي جناحي الحب..!
ولأن الراديو كان يترك لك مساحة طيبة للخيال والسرحان دون أن يشغلك بمناظر التليفزيون والفيديو كليب إياه.. فإن الحب كان يطير بنا إلي أجواء ساحرة كأننا في عالم ألف ليلة وليلة.. وأم كلثوم تغني وكأنها تغني لك وحدك: دا الأنس كان إنت والانسجام إنت.. والزهر كان إنت والابتسام إنت.. ما تقولي فين إنت.. آه.. آه.. آه..!
الأغنية والحب.. توأمان!
كانت الأغنية علي قدر الحب..
وكان الحب علي مقاس الأغنية.. كانا متلازمين كأنهما توأمان لايفترقان أبدا.. ولأن الأغنية كانت عظيمة فإن الحب كان أيضا عظيما.. فالغناء علي أيامي كان بمثابة غذاء للحب.. ورفيق دربه وطريقه..
وأذكر علي أيامي برضه إنني استمعت من الراديو إلي حفلة ربما كانت آخر حفلة للموسيقار عبدالوهاب علي المسرح بعدها اعتزل الغناء أمام الجمهور.. وكان يحضرها الزعيم جمال عبدالناصر.. وقد غني عبدالوهاب رائعته: كل ده كان ليه.. لما شفت عنيه.. حن قلبي إليه.. وانشغلت عليه.. قاللي كام كلمة.. يشبهوا النسمة في ليالي الصيف
وأذكر أن عبدالوهاب قد انجلي وأبدع وقدم أحلي صوت في حياته.. حتي أن عبدالناصر ظل يردد واقفا ومصفقا: الله.. الله.. الله..
ولم يعرف المستمعون أن عبدالوهاب هو الذي قالها اعجابا وطربا!
واذكر انني في هذا الزمن الجميل.. زمن الحب بالأغاني أو الأغاني بالحب.. الحب الحقيقي الذي ينبع من مشاعر حقيقية تخاف علي حبها من عيون حاسدة.. ذهبت إلي حفل لسيدة الغناء العربي أم كثلوم.. في دار سينما قصر النيل..
وكانت أول مرة أشاهد فيها أم كلثوم تغني.. وقد ذهبت مع صديق عمري فوزي حجازي الشقيق الأكبر للزميل العزيز ابراهيم حجازي رئيس تحرير الأهرام الرياضي.. ودفع كل منا خمسة عشر جنيها بحالها في ثمن التذكرة.. وكان مبلغا لايستهان به في الستينيات, فهو يساوي مرتب شهر لخريج الجامعة في الحكومة أيامها..!
وغنت أم كلثوم هو صحيح الهوي غلاب.. ورباعيات الخيام.. وعشت أجمل ليلة في عمري مع العشق والحب والهيام.. وكان الحاضرون والحاضرات في أبهي زينة.. والرجال بالبدل السوداء وربطات العنق والنساء بفساتين السهرة والفراء والحلي والبارفانات.. كاننا في الأوبرا.. هكذا كانت مصر كلها تعيش أجمل ليلة للحب مع أم كلثوم أول كل شهر..
واذكر ليلتها أن معلما أصيلا.. ابن بلد يلبس اللاسة والكوفية والطاقية والبالطو الشامواه والعصا الأبانوس.. والحذاء اللميع.. كان يجلس في المقعد الذي أمامي.. وعندما بدأت فرقة أم كلثوم الموسيقية تعزف قام من مكانه حتي وصل إلي المنصة.. ثم عاد.. سألته في الاستراحة: انت رحت يامعلم عند المسرح ليه؟
قال: أصل أنا مش مصدق نفسي.. رحت لحد الست عشان أتأكد أن دي الست أم كلثوم بحق وحقيق وأنا المعلم شلاطة علي سن ورمح حاضر حفلتها!
ايمن الشيمى- مشرف
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى