شم دوت نت
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

صباح الخير أيها الفن‏!‏!!

اذهب الى الأسفل

صباح الخير أيها الفن‏!‏!! Empty صباح الخير أيها الفن‏!‏!!

مُساهمة  ايمن الشيمى الأربعاء مارس 25, 2009 9:14 am

الفن لايجري وراء الدهماء‏..‏ ولكنه يركب عربة النبل والأحاسيس الرفيعة والتذوق العظيم للجمال والحب والابداع والخلق والعبقرية‏..‏ كما قال ليوتولستوي في رائعته‏:‏ أنا كارنينا‏..‏

ولكنه عندما يترنح الفن ويفقد صوابه ويتوه في دروب الخلاعة والمجون فإنه يضرب علي الرق ويهز الوسط ويخلع برقع الحياء ويكشف العورات ويقدم فنون الصالات ويستجيب لصرخات السكاري في الكباريهات‏..‏ وكأن مصر كلها بجلالة قدرها وبحضارة خمسين قرنا من الزمان‏..‏ قد اختصر تاريخها ــ الذي أذهل العالم كله‏..‏ ومازال يذهله ويحيره‏..‏ في الفن والأدب والعلم والشعر والغزل والأغاني والرسوم والنقش والنحت‏..‏ إلي مجرد حجرة صاخبة كريهة الرائحة مليئة بالمدلسين والمتسلقين والهليبة في حارة العوالم‏!‏

كان هذا جوابي علي سؤال لطلبة وطالبات جامعة القاهرة ــ جامعتي ــ في منتدي فكري وثقافي بمناسبة السنة الجديدة‏..‏ سؤال يقول‏:‏ ما الذي جري لنا؟

أغاني هابطة بزيئة عارية قليلة الأدب‏..‏ وسينما مقاولات تقدم لنا أفلاما ما أنزل الله بها من سلطان‏..‏ ومجلات هابطة علي الأرصفة تباع عيني عينك منقولة بالمسطرة والصورة والقباحة من مجلات البلاي بوي والبورنو الأمريكية والأوروبية‏..‏ ومطربون ومطربات نص كم يكسبون الملايين من أغاني هز الوسط‏..‏ وممثلات وممثلين كحيته أصبحوا بين يوم وليلة نجوم شباك‏..‏

ما الذي جري لنا؟

وكيف انحدر الذوق العام للناس في مصر إلي هذه الدرجة؟

قلت لهم‏:‏ لقد تغلب ذوق الدهماء وهم العامة والبسطاء والجاهلون من أفراد الشعب‏..‏ وأصبح هو الموجه والمسيطر علي سوق الفن في مصر‏!‏

لم نعد نسمع أغنية محترمة‏...‏ جميلة‏..‏

لم نعد نري فيلما واحدا يذكرنا بأفلام زمان التي كنا ننافس بها الأفلام الأمريكية والفرنسية‏..‏

تخلت الدولة عن دورها في توجيه زورق الفن نحو وجهته الحقيقية التي تعبر عن حضارة تراث هذا البلد العظيم‏..‏ وتركت المهمة لرجال أعمال كل همهم الربح ثم الربح ولا شئ غير الربح‏..‏ وأفسحت الطريق نفسه لأموال الخليج وريالات النفط لتلعب في ملعبنا كما تشاء وكما تريد‏..!‏

الحب‏...‏ بالأغاني‏!‏

يسألوني‏:‏ وماذا كان جيلكم يفعل ويحب ويغني؟

قلت‏:‏ علي أيامي‏..‏ وليست هذه الأيام ببعيدة‏..‏ كنا نحب ونعشق حتي قبل أن نحب ونعشق‏..‏ من الأغاني والطرب والموسيقي‏..‏ وصوت المطربات الشامخات والمطربين العظام وهو يدغدغ حواسنا ويدفعنا إلي أن نحب حتي قبل أن نقع في الحب‏..‏ أو نتخيل الحب‏..‏ كم هو عظيم‏..‏ وكم هو حالم‏..‏ وكم هو رائع‏..‏ وكأننا نحلق فوق السحاب؟

أما عندما نقع في الحب‏..‏ فإن أغاني الزمن الجميل كانت تمثل بالنسبة إلينا غذاء للروح ويقظة للقلب وتوهجا للوجدان ودغدغة للحواس‏..‏ حالة من الشجن تحتويك وأنت تسمع عبدالوهاب وهو يغني‏:‏ جفنه علم الغزل‏..‏ ومن العشق ما قتل‏..‏

أو عندما تسمع أم كلثوم وهي تغني‏:‏ بقي يقوللي وأنا أقوله‏...‏ وخلصنا الكلام كله‏..‏ أو عندما تقول‏:‏ كل ما اشوفك يروح مني الكلام وأنساه‏..‏

أو عندما تغني‏:‏ زي القمر ساعة ظهوره يحسبوا المواعيد‏..‏ زي القمر يطلع نوره من بعيد لبعيد‏..‏

أو‏:‏ أنت عمري اللي ابتدا بنورك صباحه‏..‏ خدني لحنانك خدني‏..‏ عن الوجود وابعدني‏...‏

وآه عندما تكون قد وقعت في الحب لشوشتك‏..‏ وتسمع صوت كوكب الشرق وهي تغني‏:‏ ويطولوك ياليل من اللي بيهم‏..‏ ويقصروك ياليل وانت اللي عالم بيهم‏..‏

أو تسمع عبدالوهاب وهو يغني‏:‏ قتل الورد نفسه حسدا منك والقي دماه في وجنتيك‏..‏ والفراشة ملت الزهرة لما حدثتها الأنسام عن شفتيك‏!‏

أو عندما تسمع رياض السنباطي أعظم الملحنين في زماننا وهو يشدو علي عوده‏:‏ وليا عيون إذا شافت تحب تشوف كمان مرة‏..‏ وذنبي في الهوي قلبي‏..‏ يحب يعيش ولو بكره‏!‏

ولقد كنت أهتز طربا وشجنا وأنا مازلت تلميذا في الثانوي وأنا أشاغل بنت الجيران وتشاغلني‏..‏ عندما اسمع من الراديو عبدالحليم حافظ وهو يغني في بداياته الجميلة‏:‏ بتقوللي بكرة قلبك هيعطف وفي كل مرة توعد وتخلف‏..‏ وأصدقك برضه ولا أتكلم من خوفي عليك لا تتألم‏..‏

أو عندما تغني قيثارة الغناء في بلدنا المسماة بليلي مراد‏:‏ الحب جميل للي عايش فيه‏..‏ له ألف دليل اسألوني عليه‏..‏

كلمات بسيطة لكنها تدخل القلب من أقصر طريق‏..‏ وتحلق به بعيدا علي جناحي الحب‏..!‏

ولأن الراديو كان يترك لك مساحة طيبة للخيال والسرحان دون أن يشغلك بمناظر التليفزيون والفيديو كليب إياه‏..‏ فإن الحب كان يطير بنا إلي أجواء ساحرة كأننا في عالم ألف ليلة وليلة‏..‏ وأم كلثوم تغني وكأنها تغني لك وحدك‏:‏ دا الأنس كان إنت والانسجام إنت‏..‏ والزهر كان إنت والابتسام إنت‏..‏ ما تقولي فين إنت‏..‏ آه‏..‏ آه‏..‏ آه‏..!‏

الأغنية والحب‏..‏ توأمان‏!‏

كانت الأغنية علي قدر الحب‏..‏

وكان الحب علي مقاس الأغنية‏..‏ كانا متلازمين كأنهما توأمان لايفترقان أبدا‏..‏ ولأن الأغنية كانت عظيمة فإن الحب كان أيضا عظيما‏..‏ فالغناء علي أيامي كان بمثابة غذاء للحب‏..‏ ورفيق دربه وطريقه‏..‏

وأذكر علي أيامي برضه إنني استمعت من الراديو إلي حفلة ربما كانت آخر حفلة للموسيقار عبدالوهاب علي المسرح بعدها اعتزل الغناء أمام الجمهور‏..‏ وكان يحضرها الزعيم جمال عبدالناصر‏..‏ وقد غني عبدالوهاب رائعته‏:‏ كل ده كان ليه‏..‏ لما شفت عنيه‏..‏ حن قلبي إليه‏..‏ وانشغلت عليه‏..‏ قاللي كام كلمة‏..‏ يشبهوا النسمة في ليالي الصيف

وأذكر أن عبدالوهاب قد انجلي وأبدع وقدم أحلي صوت في حياته‏..‏ حتي أن عبدالناصر ظل يردد واقفا ومصفقا‏:‏ الله‏..‏ الله‏..‏ الله‏..‏

ولم يعرف المستمعون أن عبدالوهاب هو الذي قالها اعجابا وطربا‏!‏

واذكر انني في هذا الزمن الجميل‏..‏ زمن الحب بالأغاني أو الأغاني بالحب‏..‏ الحب الحقيقي الذي ينبع من مشاعر حقيقية تخاف علي حبها من عيون حاسدة‏..‏ ذهبت إلي حفل لسيدة الغناء العربي أم كثلوم‏..‏ في دار سينما قصر النيل‏..‏

وكانت أول مرة أشاهد فيها أم كلثوم تغني‏..‏ وقد ذهبت مع صديق عمري فوزي حجازي الشقيق الأكبر للزميل العزيز ابراهيم حجازي رئيس تحرير الأهرام الرياضي‏..‏ ودفع كل منا خمسة عشر جنيها بحالها في ثمن التذكرة‏..‏ وكان مبلغا لايستهان به في الستينيات‏,‏ فهو يساوي مرتب شهر لخريج الجامعة في الحكومة أيامها‏..!‏

وغنت أم كلثوم هو صحيح الهوي غلاب‏..‏ ورباعيات الخيام‏..‏ وعشت أجمل ليلة في عمري مع العشق والحب والهيام‏..‏ وكان الحاضرون والحاضرات في أبهي زينة‏..‏ والرجال بالبدل السوداء وربطات العنق والنساء بفساتين السهرة والفراء والحلي والبارفانات‏..‏ كاننا في الأوبرا‏..‏ هكذا كانت مصر كلها تعيش أجمل ليلة للحب مع أم كلثوم أول كل شهر‏..‏

واذكر ليلتها أن معلما أصيلا‏..‏ ابن بلد يلبس اللاسة والكوفية والطاقية والبالطو الشامواه والعصا الأبانوس‏..‏ والحذاء اللميع‏..‏ كان يجلس في المقعد الذي أمامي‏..‏ وعندما بدأت فرقة أم كلثوم الموسيقية تعزف قام من مكانه حتي وصل إلي المنصة‏..‏ ثم عاد‏..‏ سألته في الاستراحة‏:‏ انت رحت يامعلم عند المسرح ليه؟

قال‏:‏ أصل أنا مش مصدق نفسي‏..‏ رحت لحد الست عشان أتأكد أن دي الست أم كلثوم بحق وحقيق وأنا المعلم شلاطة علي سن ورمح حاضر حفلتها‏!‏
ايمن الشيمى
ايمن الشيمى
مشرف


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى